الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية المنصف بن مراد يكتب يا يـوسـف الشاهد: لا نريـدك دمية بأيدي الأحزاب ورئاسة الجمهورية!

نشر في  03 أوت 2016  (10:42)

منذ أكثر من سنة وأنا أطالب برئيس حكومة حديديّ وبحكومة صلبة وبعيدة عن المحاصصة المدمّرة والمكبّلة لأنّ أغلب الوزراء لا يعملون لفائدة تونس فقط بل أيضا لفائدة أحزابهم ولمصالحهم الخاصّة!.. ومنذ ستّة أشهر طالبت أيضا باستقالة رئيس الجمهورية لأنّه غير واع بما فيه الكفاية بالمخاطر التي تتهدّد البلاد، وها نحن اليوم نشاهد إقالة الحبيب الصيد وهي إقالة لن تحل ـ وحدها ـ مشاكل تونس التي تتخبّط في بحر من العواصف.. انّ عيب السياسيين أنّهم لم يستمعوا سوى للآراء التي تخدمهم أو تلمّع صورتهم ظنّا منهم أنّهم يمتلكون الحقيقة المطلقة وكأنّ الفكر الناقد يقلّل من شأنهم أو يهدد مصالحهم، وهذه هي المصيبة الكبرى، علما انّ «الرؤساء» العرب وطبعا «الملوك» يرفضون إشراك طاقم من الخبراء والمستشارين في اتخاذ القرار كما نرى في البلدان المتحضّرة ذلك أنّ حكومة المحاصصة لا تخلّف سوى الخراب والهزيمة.
واليوم؟

اليوم لا يكفي تغيير الحبيب الصيد فقط، والذي نرجو له بالمناسبة راحة البال، بل يجب تغيير أغلب الفريق الحكومي أيضا في مرحلة أولی وتمكين رئيس الحكومة المقبلة من صلاحياته دون أي تأثير حزبي أو رئاسي خاصة بعد ان وقع الامضاء على البرنامج الحكومي من قبل أبرز الأحزاب.. إذا أردنا النّجاح، هناك شروط أساسيّة يجب أن تتوفّر، خاصّة انّ المجلس التأسيسي الذي تحكم عليه النهضة قبضتها أقرّ نظاما انتخابيّا يسمح لهذا الحزب ـ وإن كان في المرتبة الثانية ـ بالتحكّم في أهمّ القرارات السياسية والتأثير في أغلب التعيينات الحكوميّة المرموقة.
إنّ اختيار رئيس حكومة ـ مهما كان اسمه ـ  سيجعله رهينة للنّداء وحركة النهضة ورئاسة الجمهورية لأنّ من عيّنوه سيصبحون أولياء نعمته. والضامنين لبقائه.. فهل بإمكانه أن يتّخذ قرارات هامّة ضدّ مصالح هذه الأحزاب وكل أتباعهم؟ وحتى ان حصل اتفاق حول برنامج حكومي فهناك مناخ سياسي عام يجب تطهيره، إذ أنّ رئيس الحكومة المقبل سيخضع لضغوطات رهيبة من «أصدقاء» الأحزاب الحاكمة ومموّليها!

..والآن وقد اقترح السبسي السيد يوسف الشاهد لقيادة حكومة الوحدة الوطنيّة فإنّ الأمر واضح أمامه: فإمّا أن يحرّر نفسه من املاءات الأحزاب ورئاسة الجمهورية ومن تأثير حافظ قايد السبسي ويتعامل معهم كرجل دولة ويرفض المحاصصة ويعين وزراء أكفاء  بعيدا عن اقتراحات ومصالح الأحزاب وامّا سيكون وزيرا «دمية» Marionnette سيضرّ بتونس وبالباجي نفسه.. نريدك سياسيا قويا تقطع مع تسييرك لوزارة الشؤون المحلية التي كانت تخضع ـ مثل كلّ الوزارات ـ  لمخاطر المحاصصة وتعيين نكرات متحزّبة وولاة أو معتمدين رممّا تؤاخذ عليه ترددك في حل بعض النيابات الخصوصيّة الكارثية لارضاء بعض الأحزاب.. وحتى ان لم تكن لك الخبرة السياسية الكافية فلا تستمع لنصائح المقرّبين منك بل استعن بنخبة من المستشارين من الطراز الرّفيع في كل الميادين حتى تتحاور معهم قبل اتخاذ أهمّ القرارات.

..إنّ هناك عدّة ملفات حسّاسة تنتظرك أو تنتظر غيرك، فهل ستشرع في محاربة كبار المهرّبين الذين يمتلكون ما بين 25.000 و40.000 مليار من مليماتنا وهم يخربون الاقتصاد ويتعاملون مع الارهابيين لتمرير القتلة والأسلحة؟ انّ الحكومة والأمن يعرفون جيدا أسماءهم لكن هناك احزاب واعلاميون يحمون هذه العصابات ويتمعّشون منها! لقد اخترق بارونات التهريب المجرمون الأحزاب ويبدو أنّهم يتمتّعون بحرية كبرى في اختراق الحدود ويحكمون بأحكامهم في المطارات والموانئ.. انّ كل ما تمّ بناؤه اداريا وأمنيا لمكافحة الفساد خلال 50 سنة دمّر في سنوات قليلة، علما ان العائلات الفاسدة قبل 2011 لم تتعامل مع الارهابيين وكانت تكبّل الاقتصاد والاقتصاد فقط، لكن اليوم اضحت المنظومة الفاسدة متحالفة مع المتشدّدين والارهابيين ولها مساندون صلب الأحزاب المتغوّلة.. كل هذا يذكرنا بالتحالف بين المافيا والأحزاب السياسية في ايطاليا من 1950 الى 2000 حيث صارت الحكومات في خدمة المال والفساد والعنف والموت! وبالنسبة الى تونس يكفي ان نشاهد كبار المافيا حاضرين في الاجتماعات السياسيّة ونلاحظ تأثيرهم السياسي في الولايات التي أقصيت من التنمية حتى نصبح على يقين من انّ هذا التحالف سيخرب البلاد اقتصاديا وأمنيا رغم تضحيات الشهداء وبسالة الأمنيين والجنود والضباط والحرس!.. عندما نشاهد ابن رئيس الجمهورية الى جانب أحد كبار بارونات التجارة الموازية فعلى تونس السلام وهي في خطر حقيقي، ناهيك انّ إعلاميين عديدين أعلموا رئيس الجمهورية ورئاسة الحكومة بذلك ولكن دون جدوى! انّ بلادنا تمرّ بمرحلة خطيرة بسبب ضغط كبار المافيا، وإلاّ أيعقل أن نشاهد مدير قناة تلفزية ليست له أيّة خبرة ولا رؤية ولا تكوين يرشّح نفسه عبر «أصدقاء» لرئاسة الحكومة! آه مسكينة تونس.. أمّا في المناطق الحدوديّة فانّ تأثير البارونات في منتهى الخطورة وعلى جميع المستويات! فإما ان يقطعوا تماما مع الارهاب والتطرّف ويضعوا حدّا لنشاطهم المدمّر للاقتصاد ويودعوا أموالهم في البنوك ويبعثوا مشاريع تحدث مواطن شغل واما حقّت محاربتهم مهما كان الثمن.. ان أول امتحان لرئيس الحكومة المقبل هو محاربة كبار المافيا اذا لم يقتنعوا بضرورة الكفّ عن تدمير البلاد، ولو انّي متشائم بعد اختراق الأحزاب وبعض أجهزة الدولة الأمنية والديوانية من قبل الفاسدين!

امّا الامتحان الثاني فيتعلّق بالاقتصاد ايضا.. فهل سيتمكّن رئيس الحكومة المقبل من التقليص من الاضرابات المخرّبة والاحتجاجات المكبّلة وقطع الطرقات وتعطيل انتاج الفسفاط والغاز والمردودية الهزيلة في أغلب الإدارات، وكل ذلك بعد حوار جدي مع اتحاد الشغل ومنظمة الأعراف؟ كيف يمكن ان نرسي مناخا اجتماعيا ايجابيا يضمن حقوق العمال والموظّفين مع تحسين الانتاجية والتخلّي عن المديونية لخلاص الأجور والدّفاع أيضا عن المؤسّسة الاقتصاديّة؟
من جهة أخرى، إذا أردنا من الشغالين التضحية والقبول بسلم اجتماعية، على الحكومة أن تفرض العدالة الجبائية دون استثناءات ودون خوف من ردّة فعل المهن الحرّة مهما كانت مصالحها، لأنّ التهرّب الجبائي  هو ضرب من الخيانة،  مع الإشارة الى انّ الاخصائيين يحدّدون قيمة هذا التهرّب بـ8000 مليار من مليماتنا وهي تقريبا قيمة الاقتراض من الخارج سنويا!  ولو تواصلت الاضرابات وتملص المهن الحرّة من واجبها الجبائي لغرقت بلادنا في الفوضى والارهاب! انّ تونس بحاجة الى  وزير  اقتصاد ووزير مال ووزير تجارة من الحجم الثّقيل يكون لكل منهم ميولات اجتماعية وفي الآن وقته يفرضون الانضباط والمناخ الايجابي السّليم للمستثمرين.. إنّ إدماج الوزارات المعنية بالاقتصاد والتجارة والتنمية الجهوية والمالية وتعيين وزير دولة قوي على غرار مصطفى كمال النابلي أو منجي الحامدي من الأولويات لهيكلة الحكومة! ثم انّ الحرب ضدّ التهاب الأسعار هي من أولويات الحكومة الجديدة.
اما في ما يخصّ مكافحة الارهاب فهناك اجرءات يجب اتخاذها وذلك باقصاء كل الأحزاب من مواقع القرار المختصّة في مكافحة الارهاب وتقليص دور اللجان البرلمانية «المنحازة» في اتخاذ القرارات كما يتعيّن ابعاد كل مسؤول له انتماء حزبي من أيّ منصب قيادي وفي كلّ الوزارات، كما على رئيس الحكومة اختيار وزير داخلية  حديدي لا يخضع لمصالح النهضة أو النداء او اي حزب آخر وينسّق مع وزير الدّفاع الذي يجب ألاّ يكون تحت امرة أيّ حزب، وبذلك يمكن ارساء استراتيجية تسمح لتونس بالانتصار على الارهاب دون خسائر كبرى في الأرواح.. كما يتوجّب اختيار وزير عدل صارم لانهاء مهازل تسريح الارهابيين بعد ان يتمّ القبض عليهم، ويمكّن من الكشف عن مدبّري عمليّتي اغتيال شكري بلعيد ومحمد البراهمي ومنفّذيهما وذلك مهما كانت التكاليف السياسية، علما ان وزارة العدل لها مسؤولية محورية في الحرب ضد الارهاب وانّ وكيل الجمهورية الذي وقع تعيينه  منذ حوالي أسبوعين قد رفعت ضدّه قضايا من قبل عائلتي البراهمي وبلعيد! انّ النّفوذ الحزبي على هذه الوزارة أمر بالغ الخطورة لكن المحاصصة تحمي من تحمي.. لنأت الى الولاة والمعتمدين ورؤساء المراكز الأمنية والمناطق والأقاليم وكبار الضباط لنؤكّد انه لابدّ من اعفائهم من مهامّهم اذا ثبتت انتماءاتهم الحزبيّة أو ميولاتهم للتشدّد وتعيين كفاءات غير حزبيّة، ذلك انه ومنذ تغيير النظام اخترقت الأحزاب الكبرى كل الوزارات وعلى سبيل المثال فقد انتدبت وزارة الفلاحة اكثرمن 15.000 موظف واطار علما انّ الموظفين كان عددهم قبل 2011 لا يتجاوز  16.000 ! هذا دون ذكر الاختراقات في وزارتي الداخلية والعدل وما فعل منصف المرزوقي بقيادات الجيش الوطني!
انّ مصلحة تونس لا تكمن في الأسماء بل في الإرادة السياسية الصادقة والفولاذية  لكن لو وقع تطبيق مبدأ المحاصصة وتعيين «أصدقاء» في الداخلية أو الأمن أو العدل يأتمرون بأوامر النهضة أوالنداء فسيخفق هذا التغيير وستدفع الأجيال المقبلة ثمنا دمويا!
نصيحة أخيرة: يا يوسف الشاهد تخلّ عن «وداعتك المفرطة» وكشّر عن أنيابك لفائدة تونس وارفض ان تكون دمية بأيدي النداء أو النهضة ورئاسة الجمهورية.. من جهة أخرى تجنّب نصائح ابن رئيس الجمهورية وألغ المحاصصة وإلاّ دع عنك المسؤولية، لا تكن بيدقا تتلاعب به الأيدي ولا تخضع «لتوجيهات» الرئيس.. انّ هذا الأخير يمكن أن يفيدك ببعض النصائح لكن ارفض ان تكون «منفّذا» لتعليمات قرطاج حتى لو كان صاحبها هو الذي اختارك لرئاسة الحكومة.